جمعية الذكر الحكيم لعلوم القرآن

تأسست سنة ٢٠٠٢م / ١٤٢٢ هـ

القرآن وعلومه

لفظ الدابة في القرآن الكريم

بقلم محمد عبدالله منصور

تقديم:

الألفاظ القرآنية كثيرة، وغنية الدلالات، ومتعددة الوجوه، تبث فضاءات إثرائية في غاية الأهمية. وفي ضوء ذلك نختار في هذه المقالة لفظة حيوية هي الدابة، نستكشف أبعادها في ثنايا السور والآيات المباركة، مستلهمين منها الدروس والعبر.

الدابة في اللغة: هي كل ما يدب على الأرض إنسانا او حيوانا، وقد أخذت من الدبيب وهو المشي رويدا. لذا فالإنسان داخل في مفهوم الدابة، وإن خصه العرف في الحيوان فقط.

ألفاظ الدابة في القرآن: ورد اللفظ موزعا في خمس عشرة سورة، حيث ذكر ثماني عشرة مرة في مجموع الآيات، أربع منها بصيغة الجمع ((دواب))، والباقي بلفظ المفرد، وأضيف في واحد منها إلى الأرض فقيل (دابة الأرض).

دلالات الدابة في القرآن: وقد توزعت في مطالب هي:

  • خلق الله الكون وما فيه وقد جاء خلق الدواب لاحقا عما قبلها من السنوات والأرض والفلك وغيرها بما يشير إلى تهيئة كل المتطلبات لها لتأتي في نهاية {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (البقرة 164)  {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ } (الشورى 29) .
  • التشابه مع غيرها من المخلوقات في بعض الأمور {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (الأنعام 38)
  • ·        التنوع: بما يوجد الحيوية والتكامل والحكمة الإلهية فيها {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر 28) ومن هذا التنوع الدال على مؤشرات علمية { وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (النور 45)  وسبق في آية أخرى  صنف الطيور .كما فيها إشارة أخرى   لمكون اساسي في خلقها وهو الماء .
  • الرزق: وقد كفل الله لها رزقها بمختلف الصور {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (هود 6)، {وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (العنكبوت 60)  
  • التكليف: وحيث هيأ الله لها حياتها فقد كلفها كذلك بما يناسبها ويصدق عليها فعل الطاعة له سبحانه {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (النحل 49)
  • الجزاء: وكما كلفها فقد منحها ثوابا على الطاعة وعقابا على العصيان {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} (فاطر 45) فهو تعالى قادر والجميع في قبضته {مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} (هود 56) و {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} (الأنفال 22)

 الدابة المتكلمة: ذهبت الروايات المعتبرة على أنها حيوان غير مألوف، بينما ذهب آخرون إلى كونها إنسانا يخرج في آخر الزمان قبل يوم القيامة، وهو نفسه آية من آيات عظمة الخالق، يمييز الحق من الباطل، والمؤمن من المنافق والكافر. وأشار بعض العلماء أنها كناية عن الإمام المهدي (عج) الذي يظهر في آخر الزمان.

سليمان والدابة: عرف النبي سليمان (ع) بهيبته، كانت الرياح مسخرة له، ولديه القدرة على تشكيل الحديد فضلا عن عمل الجن بين يديه، وكل ذلك كان بإذن الله تعالى.

ويروى في آخر حياته العجيبة والداعية للاعتبار أنه كان واقفا متكئا على عصاه حين فاجأه الموت. وبقي مدة على حالته، حتى أكلت دابة الأرض (الأرضة) عصاه فاختل توازنه وهوى، وبذلك علم موته، وصدم الجن بما كانوا يعتقدون بأنهم كانوا يعلمون الغيب.

ما وارد في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها